ابني يعاني من قلة التركيز
" أنا أم لشاب مراهق يبلغ من العمر 13 سنة يتابع دراسته بالسنة الأولى من التعليم الثانوي الاعدادي ، و المشكل الذي أود أن يتم عرضه على الطبيب المختص يرتبط أساسا بابني ، الذي لم يعد ذلك التلميذ المجد في دراسته والذي يفعل المستحيل لأجل الوصول الى المراتب الأولى.
فنتائج الطور الأول الدراسي جاءت دون مستوى انتظاراتنا و تطلعاتنا ، اذ سجل تراجعا كبيرا في عدد من المواد ، و الأكثر من ذلك أصبحت ألاحظ بعض التغيير على سلوكاته اليومية و على طريقة تعامله مع مواده الدراسية بشكل عام.
فهو دائم الشروذ و غير قادر على التركيز ، دون الحديث عن نسيانه لأبسط القواعد الرياضية و التي غالبا ما يحفظها عن ظهر قلب لكنه ينساها في كل مرة يكون في حاجة اليها.
حاولت مساعدته بتحفيزه على مراجعة دروسه، لكن وكأني أساعد السراب. صدقوني ان قلت لكم أني لا أفهم هذا التغيير الذي طرأ عليه علما أن لي ولدا أكبر منه سنا لم يعان يوما من هذه المشاكل ، كما أنه حافظ على نفس المستوى الدراسي منذ ولوجه للصفوف المدرسية الأولى.
كيف أساعد ابني على استعادة تركيزه ؟ وهل هناك أدوية تساعد على هذا الأمر ؟ وهل الحالة التي يمر بها ابني قد تكون مؤشرا على تراجع مستوى ذكائه ؟ "
ضعف التركيز في بداية المراهقة عرض طبيعي
يتحدث الدكتور محسن بن يشو، الطبيب النفساني و المعالج السلوكي ، عن مشكل صعوبة التركيز الذي يعاني منه عدد من المراهقين . اذ يؤكد أن هذا المشكل يكاد يكون عرضا طبيعيا و مشتركا بين معظم المراهقين ، الا أن استمراريته و تأثيراته السلبية على المستقبل الدراسي للمراهق تتطلب تدخلا علاجيا اذا ما تطور الى اضطراب نفسي. وأشار المختص النفسي الى أن التعامل مع هذا الاضطراب يتطلب مساعدة أسرية و عددا من الخطوات الوقائية.
في البداية أريد أن أؤكد لهذه الأم أن مسألة ضعف التركيز و النسيان السريع ، لها أسباب نفسية متعددة ، خاصة اذا تعلق الأمر بمشكل مثل الذي نحن بصدده اليوم، فان القلق و التوتر و عدم استيعاب التغيير الذي يطرأ على الجو الدراسي بعد الانتقال من مرحلة الى أخرى، و التغييرات النفسية التي تصاحب مرحلة المراهقة بشكل عام ، غالبا ما تتحول الى عائق نفسي يحد من قدرات الشاب ، لكن هذا العائق يجب أن لا يتطور و يصبح دائما.
1ـ اختلاف القدرات
من الأشياء المهمة و الأساسية التي يجب أن يدركها الآباء و الأمهات أن الذكورمختلفو القدرات ، و أنه لا توجد صورة واحدة مثالية لقدراتهم و طاقاتهم ، و خاصة في مسائل الاستيعاب . ان كثيرا من الآباء و الأمهات يقارنون أولادهم بالآخرين أو ربما يقارنون الاخوة بعضهم ببعض ، مما يسبب للأولاد مشاكل نفسية عديدة . وبالتالي لا يوجد نموذج للطفل المثالي الذي يجب أن يكون عليه ، انما هي صورة وهمية في خيالنا ترسمها رغباتنا و أمنياتنا ناحية أطفالنا ، أكثر مما يرسمها تعاملنا مع واقع قدرات أبنائنا.
ومن أسباب ضعف التركيز :
- نقص التواصل العاطفي داخل البيت بسبب انشغال الآباء بمشاكلهم العملية خارج البيت.
- التصرف الخاطئ من طرف بعض الآباء عند " ولادة جديدة " ما تترتب عليه غيرة قوية تتسبب في العديد من الأمراض النفسية.
- السرعة في اتخاذ القرار في البيت بحيث لا يسمح للطفل بفهم (كيف) و (متى) تم المرور من حالة الى أخرى.
- الاكتظاظ في القسم و عدم التواصل المباشر بين الطفل و الأستاذ.
- الذاكرة الوقتية (مثلا ، عندما تنظر لأول مرة الى صورة و تغمض عينيك و تحاول أن تتذكرها ، بعد عدة ثوان تبدأ في التلاشي ببطء الى أن تختفي تماما).
- الذاكرة قصيرة المدى (كأن تتذكر عنوانا تذهب اليه بعد ساعة أو تحفظ رقم هاتف).
- الذاكرة الدائمة وهي لكافة ما يتعلق بحياة الانسان.
تؤكد العديد من الدراسات أن الذاكرة تشبه العضلة ، كلما زاد استعمالها حدث لها ضمور سريع ، فاذا عملت نفس الشيئ مع الذاكرة يوما بعد يوم فان عقلك لن يعمل بالطريقة المطلوبة لكي يظل حادا و ثاقبا بغض النظر عن السن. وهناك علاجات مختلفة طبيعية يمكن أن تساعد على تحسين مشكلات الذاكرة..
ويمكن اكتشاف مشكلة قلة التركيز عن طريق الأعراض التالية:
- عدم القدرة على الانتباه للتفاصيل الدقيقة أو تكرر الأخطاء في الواجبات المدرسية أو في الأعمال المطلوبة من الطفل.
- صعوبة الاستمرار في التركيز.
- صعوبة متابعة التعليم.
- تجنب الأنشطة الذهنية كالدراسة.
- تكرر فقدان أشياء الطفل الخاصة.
- الانعزال و النسيان.
- سهولة تشتت الانتباه بأي مؤثر خارجي.
2 ـ كيف نواجه هذا المشكل؟
المطلوب من الآباء أن يتعاملوا مع أبنائهم بطريقة التشجيع المستمر ، و التحفيز لقدراتهم بدون تذكيرهم الدائم أنهم ينسون بسرعة، و أنهم لا يخافون على مستقبلهم الدراسي.. فالمستقبل الدراسي تحدده قدراتهم و طاقاتهم بدون تعسف أو ضغط.
وهذا الأمر هو دور الآباء عموما في التعامل مع أطفالهم مهما بلغوا من السن، حيث يكون من الضروري تهييئ المناخ المناسب لهم لتقديم أفضل ما لديهم ، حيث هدف الآباء الأساسي هو الحصول على أبناء أسوياء نفسيا يستطيعون أن يتعاملوا مع الحياة بصورة مناسبة، وليس الهدف الحصول على أبناء متفوقين دراسيا و فاشلين انسانيا و نفسيا و معنويا نتيجة لما تعرضوا له من ضغوط من طرف آبائهم للحصول على معدلات جيدة.
ومن بين الخطوات التي يمكن أن تساعد على تدارك مشكل ضعف التركيز عند الأطفال نجد:
- اهتمام الآباء بوجبة الفطور ، فغالبا ما يقل تركيز الطفل في المدرسة بسبب اهمال وجبة الفطور كما و نوعا لأن الدماغ يحتاج الى السكريات و الفيتامينات ليشتغل على الوجه الأكمل.
- النهوض بوقت كاف قبل الذهاب الى المدرسة حتى لا يدخل الطفل في عملية " الاسراع " التي هو في غنى عنها.
- لا يذهب الطفل للنوم مباشرة بعد مشاهدة التلفاز لأن هذا يؤثر على الدماغ من حيث " تركيز الصور التلفزيونية "ما يؤثر سلبا على التفكير و التركيز في الصباح . وليحاول الآباء الحديث عن الرسوم المتحركة بعد الانتهاء من مشاهدتها : استخراج الأفكار المهمة ، ماذا أحب الطفل ؟ ماذا كره ؟
- قراءة القصص للطفل.
- الانتباه لأي نوع من التركيز يستعمله الطفل، هل يستفيد أكثر في تركيزه على قدرته السمعية أو على قدرته البصرية؟ و يجب التركيز على القدرة الأكثر نجاحا مما يسهل على الطفل عملية التركيز و يعطيه الثقة في النفس ، هذه الثقة تصبح مطية للمرور الى القدرة الأقل استعمالا.
- أخذ الوقت الكافي لشرح أي متغير يهم الطفل و لو كان بسيطا.
وفي النهاية أؤكد للأباء أنه لا يوجد ما يسمى بأدوية لزيادة التركيز أو للحفاظ عليه ، لكن بالمقابل يمكن أن يكون الجو العائلي الصحي و تفهم الوالدين للتغييرات التي تطرأ على المراهق بصفة عامة ، أداة للمساعدة على تطوير القدرات الفردية لأبنائهم ، أطفالا و مراهقين ، و تتبع خطواتهم الدراسية.
منقول عن جريدة (الأحداث المغربية) عدد 3653 ، 12 فبراير 2009